فصل: حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر بناء المأمون ببوران:

وفي هذه السنة بنى المأمون ببوران ابنه الحسن بن سهل بن رمضان، وكان المأمون سار من بغداد إلى فم الصلح إلى معسكر الحسن بن سهل، فنزله، وزفت إليه بوران، فلما دخل إليه المأمون كان عندها حمدونة بنت الرشيد وأم جعفر زبيدة أم الأمين، وجدتها أم الفضل، والحسن بن سهل.
فلما دخل نثرت عليه جدتها ألف لؤلؤة من أنفس ما يكون، فأمر المأمون بجمعه، فجمع فأعطاه بوران وقال: سلي حوائجك، فأمسكت، فقالت جدتها: سلي سيدك، فقد أمرك، فسألته الرضى عن إبراهيم بن المهدي، فقال: قد فعلت؛ وسألته الإذن لأم جعفر في الحج، فأذن لهأن وألبستها أم جعفر البدلة اللؤلؤية الأموية، وابتنى بها في ليلته وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون مناً.
وأقام المأمون عند الحسن سبعة عشر يوماً، يعد له كل يوم ولجميع من معه ما يحتاج إليه، وخلع الحسن على القواد على مراتبهم، وحملهم، ووصلهم، وكان مبلغ ما لزمه خمسين ألف ألف درهم، وكتب الحسن أسماء ضياعه في رقاع، ونثرها على القواد فمن وقعت بيده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها.

.ذكر مسير عبد الله بن طاهر إلى مصر:

في هذه السنة سار عبد الله بن طاهر إلى مصر، وافتتحهأن واستأمن إليه عبيد الله بن السري.
وكان سبب مسيره أن عبيد الله قد كان تغلب على مصر، وخلع الطاعة، وخرج من الأندلس، فتغلبوا على الاسكندرية، واشتغل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شبث، فلما فرغ منه سار نحومصر، فلما قرب منها على مرحلة قدم قائداً من قواده إليها لينظر موضعاً يعسكر فيه، وكان ابن السري قد خندق على مصر خندقأن فاتصل الخبر به من وصول القائد إلى ما قرب منه، فخرج إليه في أصحابه، فالتقى هووالقائد، فاقتتلوا قتالاً شديدأن وكان القائد في قلة، فجال أصحابه، وسير بريداً إلى عبد الله بن طاهر بخبره، فحمل عبد الله الرجال على البغال، وجنبوا الخيل، وأسرعوا السير، فلحقوا بالقائد وهويقاتل ابن السري، فلما رأى ابن السري ذلك لم يصبر بين أيديهم، وانهزم عنهم، وتساقط أكثر أصحابه في الخندق، فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض كان أكثر من قتله الجند بالسيف.
ودخل ابن السري مصر، وأغلق الباب عليه وعلى أصحابه، وحاصره عبد الله، فلم يعد ابن الرسي يخرج غليه، وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة مع كل واحد منهم ألف دينار، فسيرهم ليلأن فردهم ابن طاهر وكتب إليه: لوقبلت هديتك نهاراً لقبلتها ليلاً {بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون} النمل: 36- 37. قال: فحينئذ طلب الأمان. وقيل: كان سنة إحدى عشرة.
وذكر أحمد بن حفص بن أبي الشماس قال: خرجنا مع عبد الله بن طاهر إلى مصر، حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذ نحن بأعرابي قد اعترض، فإذا شيخ على بعير له، فسلم علينأن فرددنا عليه السلام، قال: وكنت أنأن وإسحاق بن إبراهيم الرافقي، وإسحاق بن أبي ربعي، ونحن نساير الأمير، وكنا أفره منه دابة، وأجود كسوة، قال: فجعل الأعرابي ينظر إلى وجوهنأن قال فقلت: يا شيخ قد ألححت في النظر، أعرفت شيئاً أنكرته؟ قال: لا والله، ما عرفتكم قبل يومي هذأن ولكني رجل حسن الفراسة في الناس، قال: فأشرت إلى إسحاق بن أبي ربعي، وقلت: ما تقول في هذا؟ فقال:
أرى كاتباً داهي الكتابة بين ** عليه، وتأديب العراق منير

له حركات قد يشاهدن أنه ** عليم بتسيط الخراج بصير

ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي، فقال:
ومظهر نسك ما عليه ضميره ** يحب الهدايا بالرجال مكور

إخال به جبناً وبخلاً وشيمة ** تخبر عنه أنه لوزير

ثم نظر إلي وقال:
وهذا نديم للأمير ومؤنس ** يكون له بالقرب منه سرور

وأحسبه للشعر والعلم راوياً ** فبعض نديم مرة وسمير

ثم نظر إلى الأمير، وقال:
وهذا الأمير المرتجى سيب كفه ** فما إن له في العالمين نظير

عليه رداء من جمال وهيبة ** ووجه بإدراك النجاح بشير

لقد عظم الإسلام منه يدي يد ** فقد عاش معروف ومات نكير

إلا إمنا عبد الإله ابن طاهر ** لنا والد بر بنأن وأمير

قال: فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع، وأعجبه، وأمر الشيخ بخمسمائة دينار، وأمره أن يصحبه.

.ذكر فتح عبد الله الإسكندرية:

وفي هذه السنة أخرج عبد الله من كان تغلب على الإسكندرية من أهل الأندلس بأمان، وكانوا قد أقلوا في مراكب من الأندلس في جمع، والناس في فتنة بن السري وغيره، فأرسلوا بالإسكندرية، ورئيسهم يدعى أبا حفص، فلم يوالوا بها حتى قدم ابن طاهر، فأرسل يؤذنهم بالحرب إن هم لم يدخلوا في الطاعة، فأجابوه، وسألوه الأمان على أن يرتحلوا عنها إلى بعض أطراف الروم التي ليست من بلاد الإسلام، فأعطاهم الأمان على ذلك، فرحلوأن ونزلوا بجزيرة إقريطش، واستوطنوهأن وأقاموا بهأن فأعقبوا وتناسلوا.
قال يونس بن عبد الأعلى: أقبل إلينا فتى حدث من المشرق، يعني ابن طاهر، والدنيا عندنا مفتونة قد غلب على كل ناحية من بلادنا غالب، والناس في بلاء، فأصلح الدنيأن وأمن البرئ، وأخاف السقيم، واستوسقت له الرعية بالطاعة.

.ذكر خلع أهل قم:

في هذه السنة خلع أهل قم المأمون، ومنعوا الخراج؛ فكان سببه أن المأمون لما سار من خراسان إلى العراق أقام بالري عدة أيام واسقط عنهم شيئاً من خارجهم، فطمع أهل قم أن يصنع بهم كذلك، فكتبوا إليه يسألونه الحطيطة، وكان خراجهم ألفي ألف درهم، فلم يبهم المأمون إلى ما سألوأن فامتنعوا من أدائه، فوجه المأمون إليهم علي بن هشام، وعجيف بن عنبسة، فحارباهم فظفرا بهم، وقتل يحيى بن عمران، وهدم سور المدينة، وجباها على سبعة آلاف ألف ردهم، وكانوا يتظلمون من ألفي ألف.

.ذكر ما كان بالأندلس من الحوادث:

وفي هذه السنة سير عبد الرحمن بن الحكم سرية كبيرة إلى بلاد الفرنج واستعمل عليها عبيد اله المعروف بابن البلنسي، فسار ودخل بلاد العدو، وتردد فيها بالغارات، والسبي، والقتل، والأسر، ولقي الجيوش الأعداء في ربيع الأول، فاقتتلوأن فانهزم المشركون، وكثر القتل فيهم، وكان فتحاً عظيماً.
وفيها افتتح عسكر، سيره عبد الرحمن أيضأن حصن القلعة من أرض العدو، وتردد فيها بالغارات منتصف شهر رمضان.
وفيها أمر عبد الرحمن ببناء المسجد الجامع بجيان.
وفيها أخذ عبد الرحمن رهائن أبي الشماخ محمد بن إبراهيم مقدم اليمانية بتدمير، ليسكن الفتنة بين المضرية واليمانية، فلم ينزجروأن ودامت الفتنة، فلما رأى عبد الرحمن ذلك أمر العامل بتدمير أن ينقل منها ويجعل مرسية منزلاً ينزله العمال، ففعل ذلك، وصارت مرسية هي قاعدة تلك البلاد من ذلك الوقت؛ ودامت الفتنة بينهم إلى سنة ثلاث عشرة ومائتين، فسير عبد الرحمن إليهم جيشأن فأذعن أبوالشماخ، وأطاع عبد الرحمن، وسار إليه، وصار من جملة قواده وأصحابه، وانقطعت الفتنة من ناحية تدمير.

.ذكر عدة حوادث:

مات في هذه السنة شهريار بن شروين صاحب جبال طبرستان، وصار في موضعه ابنه سابور. فقاتله مازيار بن قارن، فأسره وقتله، وصارت الجبال في يد مازيار.
وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد، وهووالي مكة.
وفيها توفيت علية بنت المهدي، مولدها سنة ستين ومائة، وكان زوجها موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فولدت منه.

.حوادث سنة إحدى عشرة ومائتين:

في هذه السنة أدخل عبيد الله بن السري بغداد، وأنزل مدينة المنصور، وأقام ابن طاهر بمصر والياً عليها وعلى الشام والجزيرة، وقال للمأمون بعض إخوته إن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد علي بن أبي طالب، وكذا كان أبوه قبله، فأنكر المأمون ذلك، فعاوده أخوه، فوضع المأمون رجلاً قال له: امش في هيئة القراء والنساك إلى مصر، فادع جماعة من كبرائها إلى القاسم بن إبراهيم بن طباطبأن ثم صار إلى عبد الله بن طاهر غادعه إليه، واذكر له مناقبه، ورغبه فيه وابحث عن باطنه وأتني بما تسمع.
ففعل الرجل ذلك فاستجاب له جماعة من أعيانه، فقعد بباب عبد الله بن طاهر، فلما ركب قام إليه فأعطاه رقعة، فلما عاد إلى منزله أحضره، قال: قد فهمت ما في رقعتك فهات ما عندك! فقال: ولي أمانك؟ قال: نعم! فدعاه إلى القاسم، وذكر فضله وزهده وعلمه.
فقال عبد الله: أتنصفني؟ قال: نعم! قال: هل يجب شكر الله على العباد؟ قال: نعم! قال: فتجيء إلي وأنا في هذه الحال لي خاتم في المشرق جائز، وخاتم في المغرب جائز، وفيما بينهما أمري مطاع، ثم ما ألتفت عن يميني ولا شمالي، وورائي وأمامي إلا رأيت نعمة لرجل أنعمها علي، ومنة ختم بها رقبتي، ويداً لائحة بيضاء ابتدأني بها تفضلاً وكرمأن تدعوني إلى أن أكفر بهذه النعم، وهذا الإحسان، وتقول: اغدر بمن كان أولى لهذا وأحرى، واسع في إزالة خيط عنقه، وسفك دمه، تراك لودعوتني إلى الجنة عياناً أكان الله يحب أن أغدر به، وأكفر إحسانه، وأنكث بيعته؟ فسكت الرجل، فقال له عبد الله: ما أخاف عليك إلا نفسك، فارحل عن هذا البلد، فإن السلطان الأعظم إن بلغه ذلك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك.
فلما أيس منه جاء إلى المأمون فأخبره، فاستبشر، وقال: ذلك غرس يدي، وألف أدبي، وترب تلقيحي، ولم يظهر ذلك، ولا علمه ابن طاهر إلا بعد موت المأمون، وكان هذا القائل للمأمون المعتصم، فإنه كان منحرفاً عن عبد الله.

.ذكر قتل السيد بن أنس:

وفيها قتل السيد بن أنس الأزدي أمير الموصل، وسبب قتله أن زريق ابن علي بن صدقة الإزدي الموصلي كان قد تغلب على الجبال ما بين الموصل وأذربيجان، وجرى بينه وبين السيد حروب كثيرة، فلما كان هذه السنة جمع زريق جمعاً كثيرأن قيل: كانوا أربعين ألفأن وسيرهم إلى الموصل لحرب السيد، فخرج إليهم في أربعة آلاف، فالتقوا بسوق الأحد، فحين رآهم السيد حمل عليهم وحده، وهذه كانت عادته أن يحمل وحده بنفسه، وحمل عليه رجل من أصحاب زريق، فاقتتلأن فقتل كل واحد منهما صاحبه لم يقتل غيرهما.
وكان هذا الرجل قد حلف بالطلاق إن رأى السيد أن يحمل عليه فيقتله أويقتل دونه، لأنه كان له على زريق كل سنة مائة ألف درهم، فقيل له: بأي سبب تأخذ هذا المال؟ فقال: لأنني متى رأيت السيد قتلته، وحلف على ذلك فوفى به.
فلما بلغ المأمون قتله غضب لذلك، وولى محمد بن حميد الطوسي حرب زريق وبابك الخرمي، واستعمله على الموصل.

.ذكر الفتنة بين عامر ومنصور وقتل منصور بإفريقية:

وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين عامر بن نافع وبين منصور بن نصر بإفريقية، وسبب ذلك أن منصوراً كان كثير الحسد ** وسار بهم من تونس إلى منصور وهوبقصره بطنبذ، فحصره، حتى فني ما كان عنده من الماء، فراسله منصور، وطلب منه الأمان على أن يركب سفينة ويتوجه إلى المشرق، فأجابه إلى ذلك، فخرج منصور أول الليل مختفياً يريد الأربس، فلما أصبح عامر ولم ير لمنصور أثراً طلبه حتى أدركه، فاقتتلوا وانهزم منصور، ودخل الأربس فتحصن بهأن وحصره عامر، ونصب عليه منجنيقاً.

فلما اشتد الحصار على أهل الأربس قالوا لمنصور: إما أن تخرج عنأن وإلا سلمناك إلى عامر، فقد أضر بنا الحصار؛ فاستمهلهم حتى يصلح أمره، فأمهلوه، وأرسل إلى عبد السلام بن المفرج، وهومن قواد الجيش، يسأله الاجتماع به، فأتاه، فكلمه منصور من فوق السور، واعتذر، وطلب منه أن يأخذ له أماناً من عامر حتى يسير إلى المشرق، فأجابه عبد السلام إلى ذلك، واستعطف له عامرأن فأمنه على أن يسير إلى تونس، ويأخذ أهله وحاشيته ويسير بهم إلى الشرق.
فخرج إليه، فسيره مع خيل إلى تونس، وأرم رسوله سراً أن يسير به إلى مدينة جربة، ويسجنه بهأن ففعل ذلك، وسجن معه أخاه حمدون.
فلما علم عبد السلام ذلك عظم عليه، وكتب عامر إلى أخيه، وهوعامله على جربة، يأمره بقتل منصور وأخيه حمدون، ولا يراجع فيهمأن فحضر عندهمأن وأقرأهما الكتاب، فطلب منصور منه دواتة وقرطاساً ليكتب وصيته، فأمر له بذلك، فلم يقدر أن يكتب، وقال: فاز المقتول بخير الدنيا والآخرة، ثم قتلهمأن وبعث برأسيهما إلى أخيه، واستقامت الأمور لعامر بن نافع، ورجع عبد السلام بن المفرج إلى مدينة باجه، وبقي عامر بن نافع بمدينة تونس وتوفي سلخ ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائتين؛ فلما وصل خبره إلى زيادة اله قال: الآن وضعت الحرب أوزارهأن وأرسل بنوه إلى زيادة الله يطلبون الأمان، فأمنهم، وأحسن إليهم.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها قدم عبد الله بن طاهر مدينة السلام، فتلقاه العباس بن المأمون، والمعتصم، وسائر الناس.
وفيها مات موسى بن حفص فولي ابنه طبرستان، وولي حاجب ن صالح السند، فهزمه بشر بن داود، فانحاز إلى كرمان.
وفيها أمر المأمون مناديأن فنادى: برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير، أوفضله على أحد من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه ولم.
وفيها مات أبوالعتاهية الشاعر، وحج بالناس صالح بن العباس وهووالي مكة.
وفيها خرج بأعمال تاكرنا من الأندلس طوريل، فقصد جماعة من الجند قد نزلوا ببعض قرى تاكرنا ممتازين، فقتلهم، واخذ دوابهم وسلاحهم وما معهم، فسار إليه عاملهأن وفيها مات الأخفش النحوي البصري.
وفيها مات طلق بن غنام النخعي، وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وعبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي.
وفيها توفي عبد الرزاق بن همام الصنعاني المحدث، وهومن مشايخ أحمد بن حنبل، وكان يتشيع.
وفيها توفي عبد الله بن داود الخربي البصري، وكان يسكن الخريبة بالبصرة، فنسب إليها.

.حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين:

.ذكر استيلاء محمد بن حميد على الموصل:

في هذه السنة وجه المأمون محمد بن حميد الطوسي إلى بابك الخرمي لمحاربته، وأمره أن يجعل طريقه على الموصل ليصلح أمرهأن ويحارب زريق ابن علي، فسار محمد إلى الموصل، ومعه جيشه، وجمع ما فيها من الرجال من اليمن وربيعة، وسار لحرب زريق، ومعه محمد بن السيد بن أنس الأزدي، فبلغ الخبر إلى زريق، فسار نحوهم، فالتقوا في الزاب، فراسله محمد بن حميد يدعوه إلى الطاعة، فامتنع، فناجزه محمد، واقتتلوا واشتد قتال الأزدي مع محمد بن السيد طلباً بثأر السيد، فانهزم زريق وأصحابه، ثم أرسل يطلب الأمان، فأمنه محمد، فنزل إليه، فسيره إلى المأمون.
وكتب المأمون إلى محمد يأمره بأخذ جميع مال زريق من قرى ورستاق، ومال، وغيره، فأخذ ذلك لنفسه، فجمع محمد أولاد زريق وأخوته، وأخبرهم بما أمر به المأمون فأطاعوا لذلك فقال لهم: إن أمير المؤمنين قد أمرني به، وقد قبلت ما حباني منه، ورددته عليكم، فشكروه على ذلك.
ثم سار إلى أذربيجان، واستخلف على الموصل محمد بن السيد، وقصد المخالفين المتغلبين على أذربيجان فأخذهم، منهم يعلي بن مرة ونظراؤه، وسيرهم إلى المأمون وسار نحوبابك الخرمي لمحاربته.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة خلع أحمد بن محمد العمري، المعروف بالأحمر العين، المأمون باليمن، فاستعمل المأمون على اليمن محمد بن عبد الحميد المعروف بأبي الرازي وسيره إليها.
وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن، وتفضيل علي بن أبي طالب على جميع الصحابة، وقال هوأفضل الناس، بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك في ربيع الأول.
وحج بالناس عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد.
وفيها كانت باليمن زلزلة شديدة، فكان أشدها بعدن، فتهدمت المنازل، وخربت القرى، وهلك فيها خلق كثير.
وفيها سير عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشاً إلى بلد المشركين، فوصلوا إلى برشلونة، ثم ساروا إلى جرندة، وقاتل أهلها في ربيع الأول، فأقام الجيش شهرين ينهبون ويخربون.
وفيها كانت سيول عظيمة، وأمطار متتابعة بالأندلس، فخربت أكثر الأسوار بمدائن ثغر الأندلس، وخربت قنطرة سرقسطة، ثم جددت عمارتها وأحكمت.
برشلونة بالباء الموحدة والراء والشين المعجمة واللام والواووالنون والهاء.
وفيها توفي محمد بن يوسف بن واقد بن عبد اله الضبي، المعروف بالفريابي، وهومن مشايخ البخاري.

.حوادث سنة ثلاث عشرة ومائتين:

وفيها ولى المأمون ابنه العباس الجزيرة، والثغور والعواصم؛ وولى أخاه أبا إسحاق المعتصم الشام ومصر، وأمر لكل واحد منهما ولعبد الله بن طاهر بخمسمائة ألف درهم، فقيل: لم يفرق في يوم من المال مثل ذلك.
وفي هذه السنة خلع عبد السلام وابن جليس المأمون بمصر في القيسية واليمانية، وظهرا بها، ثم وثبا بعامل المعتصم، وهوابن عميرة بن الوليد الباذغيسي، فقتلاه في ربيع الأول سنة أربع عشرة ومائتين، فسار المعتصم إلى مصر،وقاتلهمأن فقتلهما وافتتح مصر، فاستقامت أمورهأن واستعمل عليها عماله.
وفيها مات طلحة بن طاهر بخراسان.
وفيها استعمل المأمون غسان بن عباد على السند، وسبب ذلك أن بشر بن داود خالف المأمون، وجبى الخراج فلم يحمل منه شيئاً، فعزم على تولية غسان، فقال لأصحابه: أخبروني عن غسان، فإني أريده لأمر عظيم، فأطنبوا في مدحه، فنظر المأمون إلى أحمد بن يوسف، وهوساكت، فقال: ما تقول يا أحمد؟ فقال: يا أمير المؤمنين! ذلك رجل محاسنه أكثر من مساوئه لا يصرف به إلى طبقة إلا انتصف منهم، فمهما تخوفت عليه فإنه لن يأتي أمراً يعتذر منه، فأطني فيه، فقال: لقد مدحته على سوء رأيك فيه؛ قال: لأني كما قال الشاعر:
كفى شكراً لما أسديت أني ** صدقتك في الصديق وفي عداتي

قال: فأعجب المأمون من كلامه وأدبه.
وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي.
وفيها قتل أهل ماردة من الأندلس عاملهم، فثارت الفتنة عندهم، فسير إليهم عبد الرحمن جيشأن فحصرهم، وفسد زرعهم وأشجارهم، فعاودوا الطاعة، وأخذت رهائنهم، وعاد الجيش بعد أن خربوا سور المدينة.
ثم أرسل عبد الرحمن إليهم بنقل حجارة السور إلى النهر لئلا يطمع أهلها في عمارته، فلما رأوا ذلك عادوا إلى العصيان، وأسروا العامل عليهم، وجددوا بناء السور وأتقنوه.
فلما دخلت سنة أربع عشرة سار عبد الرحمن، صاحب الأندلس، في جيوشه إلى ماردة، ومعه رهائن أهلهأن فلما بارزها راسله أهلهأن وافتكوا رهائنهم باعامل الذي أسروه وغيره، وحصرهم، وأفسد بلدهم ورحل عنهم.
ثم سير إليهم جيشاً سنة سبع عشرة ومائتين، فحصروهأن وضيقوا عليهأن ودام الحصار، ثم رحلوا عنهم.
فلما دخلت سنة ثماني عشرة سير إليها جيشأن ففتحهأن وفارقها أهل الشر والفساد، وكان من أهلها إنسان اسمه محمود بن عبد الجبار الماردي، فحصره عبد الرحمن بن الحكم في جمع كثير من الجند، وصدقوه القتال، فهزموه وقتلوا كثيراً من رجاله، وتبعتهم الخيل في الجبل، فأفنوهم قتلاً وأسراً وتشريداً.
ومضى محمود بن عبد الجبار الماردي فيمن سلم معه من أصحابه إلى منت سالوط، فسير إليه عبد الرحمن جيشاً سنة عشرين ومائتين، فمضوا هاربين عنه إلى حلقب في ربيع الآخر منهأن فأرسل سرية في طلبهم، فقاتلهم محمود، فهزمهم، وغمن ما معهم، ومضوا لوجهتهم، فلقيهم جمع من أصحاب عبد ارحمن مصادفة، فقاتلوهم ثم كف بعضهم عن بعض، وساروأن فلقيهم سرية أخرى، فقاتلوهم، فانهزمت السرية، وغمن محمود ما فيها.
وسار حتى أتى مدينة مينة، فهجم عليها وملكهأن وأخذ ما فيها من دواب، وطعام، وفارقوهأن فوصلوا إلى بلاد المشركين، فاستولوا على قلعة لهم، فأقاموا بها خمسة أعوام ثلاثة أشهر، فحصرهم أذفونس ملك الفرنج، فملك الحصن، وقتل محموداً ومن معه، وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين في رجب، وانصرف من فيها.
وفيها توفي إبراهيم الموصلي المغني، وهوإبراهيم بن ماهان، والد إسحاق بن إبراهيم وكان كوفيأن وسار إلى الموصل، فلما عاد قيل له الموصلي، فلزمه؛ وعلي بن جبلة بن مسلم أبوالحسن الشاعر، وكان مولده سنة ستين ومائة، وكان قد أضر، ومحمد بن عرعرة بن البوند؛ وأبوعبد الرحمن المقرئ المحدث؛ وعبد الله بن موسى العبسي الفقيه، وكان شيعيأن وهومن مشايخ البخاري في صحيحه.
البوند بكسر الباء الموحدة والواووتسكين النون وآخره دال مهملة.